حتى هذه اللحظة، ليس هناك من أجوبة واضحة حول الأسباب التي تمنع حكومة تصريف الأعمال من الإجتماع من أجل إصدار المراسيم التطبيقية للتنقيب عن الثروة النفطية، غير تلك الأسباب التي تقضي على أي أمل في التقدم في لبنان، وهي التوازنات الطائفية والمذهبية، التي من المفترض أن تختفي أمام القضايا الوطنية العليا، لا سيما أن هناك عدواً ينافسنا في هذا المجال.
الجلسة الوزارية، التي كان من المفترض أن يتم بحث أمر عقدها خلال الأيام الأخيرة، "طارت" من دون معرفة الأسباب الحقيقية، لا سيما أن مختلف أفرقاء الحكومة لا يمانعون انعقادها، لكن ما هو أكيد أن هناك خسائر كبيرة يتكبدها الإقتصاد الوطني جرّاء ذلك.
"الدلع" السياسي
بعد أن كانت مختلف القوى السياسية، على ضفتي قوى الثامن والرابع عشر من آذار، تحذر من التأخير الحاصل في إصدار المراسيم التطبيقية للتنقيب عن الثروة النفطية، عاد بعضها إلى الحديث عن عدم إمكانية حصول ذلك في ظل حكومة تصريف أعمال، مع العلم أن هذا الأمر يعني إنتظارها مدة طويلة لحين تشكيل الحكومة الجديدة التي ليس هناك أي بوادر لولادتها في وقت قريب.
وفي هذا السياق، تحذر مصادر متابعة من الخسائر الكبيرة التي يتكبدها لبنان بسبب هذا التأخير، وتشير إلى أن هذه الخسائر حتى الآن تقتصر على الوقت، لكنها لا تستبعد أن تتحول في وقت قريب إلى خسائر مادية كبيرة على الرغم من التطمينات الكثيرة التي يقدمها البعض.
وتستغرب هذه المصادر، في حديث لـ"النشرة"، ربط هذا الموضوع بتشكيل الحكومة العتيدة، وتلفت إلى أن جميع المؤشرات تؤكد أن ذلك لن يكون في وقت قريب، ما يعني أن إصدار المراسيم الضرورية سيأخذ وقتاً، لا سيما أن لا إتفاق على شكل الحكومة حتى الساعة، وفي حال حصول هذا الأمر سريعاً، توضح المصادر أن الإتفاق على الحقائب والبيان الوزاري لن يكون أمراً سهلاً.
ومن هذا المنطلق، تعتبر المصادر أن هناك مسؤولية كبيرة ينبغي على كل القوى السياسية تحملها، خصوصاً أن ما يتم الحديث عنه لا يحمل أي "دلع" من قبل أي فريق، وتدعو رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى القيام بواجباتهما في هذا المجال.
الخسائر الإقتصادية كبيرة
في ظل هذه المعطيات السياسية، ينبغي التوقف مطولاً عند الخسائر، لا سيما أن الحكومة الإسرائيلية كانت قد بدأت منذ أشهر طويلة بعمليات التنقيب في الحقول التابعة لها ما يعطيها أفضلية الوصول إلى الأسواق الإستهلاكية، بالإضافة إلى نواياها الواضحة بالإعتداء على الثروة اللبنانية، في حين يستمر الخلاف بين الأفرقاء المحليين على عدد البلوكات التي سيتم تلزيمها، وعلى إمكانية حكومة تصريف الأعمال القيام بهذا الأمر.
وفي هذا السياق، يوضح الخبير الإقتصادي لويس حبيقة أن كل تأخير يؤدي إلى خسائر على الصعيد الإقتصادي، لا سيما أن لبنان بحاجة ماسة إلى المزيد من الموارد المالية بأية طريقة، ويعتبر أن "التحجج" بعدم إمكانية قيام حكومة تصريف الأعمال بإقرار المراسيم "نهفة"، لا سيما أن تصريف الأعمال يعني أن تقوم الحكومة بواجباتها من أجل حماية المصلحة العامة.
من جهة ثانية، يشير الدكتور حبيقة، في حديث لـ"النشرة"، إلى الخطر الناجم عن عمليات التنقيب التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية، ويشدد على أهمية الوصول إلى الأسواق العالمية أمولاً من أجل تحقيق الأرباح الوافرة، ويدعو إلى خل هذه المعضلة سريعاً، سواء كان ذلك من خلال إجتماع الحكومة الحالية أو الذهاب نحو تشكيل واحدة جديدة.
من جانبه، يرى رئيس جمعية "سيدروس للإنماء" الخبير المالي وليد أبو سليمان أن مصداقية لبنان تجاه الدول والشركات الكبرى المهتمة بالتنقيب عن النفط تضرب من خلال التأخير الحاصل، ويؤكد خسارة لبنان مداخيل إضافية من وراء ذلك، بالإضافة إلى خسارته فرص عمل تساعد في تحريك العجلة الإقتصادية.
ويعتبر أبو سليمان، في حديث لـ"النشرة"، أن من المفترض وضع هذا الملف في سلم الأولويات، وبالتالي أخذ المخاطر على محمل الجد، ويشير إلى أن السبب في عدم إنعقاد مجلس الوزراء هو سجال سياسي سينعكس سلباً على ثروة كل اللبنانيين، ويشدد على أن هذا الأمر ضرورياً سواء كان القرار بتلزيم جميع البلوكات دافعة واحدة أو على مراحل، ويرى أن البدء بتلزيم عدد معين قد يكون أفضل من الناحية الإقتصادية، حيث قد يكون هناك فرصة في المستقبل من أجل تلزيم الباقي بأسعار أفضل.
في المحصلة، هناك ضرورة وطنية تقضي بالذهاب فوراً إلى معالجة هذه المشكلة الخطيرة بسبب الخسائر الإقتصادية الناجمة عنها، وفي حال عدم القيام بذلك تتحمل مختلف القوى السياسية مسؤولياتها أمام الرأي العام عنها، ولكن هل هناك من يحاسب؟